تعب الموج من سعيه فسكن البحر وهدأ ، وسار الليل حثيثا في شوارع المدينة القديمة بطرابلس ليسدل على كل مكان حلة مهيبة من الهدوء والستر والظلام .. سكون لا يشوبه سوى أصوات وتواقيع بعيدة مكتومة لا تكاد تبين آتية من جهة "الزاوية الصغيرة".
في إحدى البيوت ، أيّ منها ! ، وقبيل أن تخلد الأجساد والنفوس للنوم بقليل .. فيما النعاس يداعب الجفون والأرواح على مقربة من تخوم ممالك الخيال والأحلام .. ينساب صوت الجدّة المباركة وهي تهمس بتؤدة وتأنٍ بكلمات صـادقـة وبسيطـة تهتزّ مـع حروفها ، على حياء ، قلوب فتيات البيت وهن ينصتن بشغفٍ ومحبة ..
ــ بسم الله بديت ، وعالنبي صليت ، يا غايث كل مغيث ، غيثنا واستر عيوبنا ..
في ذات اللحظة ، وعلى بعد آلاف الأميال غربا ، وبالتحديد في حيّ القصبة
العتيق بالجزائر العاصمة ، كانت أعين البنات قد تعلقت بشفتي جدتهن الغالية يتتبعنها في ترقّب وشوق ولهفة وهي تتمتم :
ــ بسم الله بديت ، وعلى النبي صليت ، وعلى الصحابة رضيت ،
وعيّطت يا خالقي ، يا مغيث كل مغيث ، يا ربّ السماء العالي ..
كلمات الجدّتين العربيتين هذه تعني أنهما قد باشرتا لتوّهما لعبة " البوقالة " ، تلك الظاهرة التراثية النسائية ، التي تلج الصبايا من خلالها ، بسهولةٍ ويسر ، إلى عالم فسيح لا يُحدّ من الحلم والأمل والرجاء والفأل الحسن .. تسلية إبداعية شعبية عفيفة ، ولعبة استبشار بريئة ، تُغنِي فيها أمنيات وأحلام وخيال الفتيات أنفسهن عن كل ما نعرفه الآن من وسائل للفنون والتسلية .
تمدّ الجدة بغطاء الرأس "التسّمال" لمن على يمينها من الحفيدات لتعقد بطرفه عقدة بسيطة وهي تستحضر في قلبها من تودّ أن يكون المعنيّ بـ "البوقالة" التي ستقال ، ثم تعيد "التسّمال" للجدة التي تبدأ على الفور في استرجاع وإلقاء بوقالة من بين العشرات التي تحفظها منذ زمن بعيد عن ظهر قلب :
سيدي سيدي وين نلقاك
نلقاك في نهار سعيد
نبي محبّتك تُنقص كل يوم تزيد
نراجي فيك
مراجاة هلال العيد
ــ فيما تتخيّر جدتنا في حيّ القصبة بالجزائر البوقالة التي تقول :
رشّيت عتبة الباب بالزهر والطّيب
وسقيت كل لحباب بالعسل والزبيب
وكي نسيت .. جاني جواب
كنت نستنّاه من عند البعيد
وتفكّ الجدتان ، في المدينة القديمة والقصبة على حد سواء ، عقدة غطاء الرأس ، وترتفع أصوات الفتيات وهن يسألن في فضول ملحّ صاحبة البوقالة عمّن كان المقصود ؟ ، بالطبع كلتاهما لا تصدقهن القول ، فواحدة قالت إنها نوت البوقالة لخالها المسافر ، فيما أشارت الثانية إلى أنها أسمت البوقاله على شقيقتها المتزوجة في مدينة ثانية ، إجابات ذكية تبرّر قطعا ترقّب عودة المسافر كترقّب هلال العيد ، وانتظار جواب مطمئن من ذلك البعيد . وتضحك البنات في سرهن ، فهن يعرفن أن لا الخال ولا الشقيقة معنيين بالبوقالتين إلا عرضا ..
وتستمر "البوقالة" فتتناول "التسّمال" الفتاة التي تلي الأولى ، لتعقد كشقيقتها النية في القلب عن المقصود بالبوقالة التالية ، ولتعقد كذلك عقدة صغيرة في طرف غطاء الرأس ثم ترجعه للجدة لسماع نصيبها من "بوقالات" الليلة . في القصبة بالجزائر العاصمة سمعت الفتيات :
السفينة اللي جات .. باش آنكافيها ؟
باللوز والسكّر نطعم غاشيها
وبالزباد والعطر نطلي سواريها
ونطلب ربّي
للحجّ يدّيها
ــ وفي مدينة طرابلس القديمة سمعن .. :
مركب الغالي جِتّ .. باش نكافيها ؟
بالجوهر المكّي نرشّق حواشيها
وبالعطر الوردي ندهن حواريها
ونطلب من خالقي
نحجّ على إيديها
البوقالة .. ماذا؟ وكيف؟ وأين؟ ومتى؟ ولماذا ؟..
"البوقالة" في اللهجة الليبية هي الآنية الفخارية التي يُشرب منها ، وهي "كالبرّادة" عدا أنها طويلة العنق ضيّقة المشرب ، أمّا في الجزائر فإنها تعني الإناء الفخاري الدائري الصغير ، وقد كان يستخدم قديما في هذه اللعبة ، حيث كانت الصبايا يضعن خواتمهن في هذا الإناء بعد أن يتم ملؤه بقليل من الماء ، ليتم اختيار الفتاة التي ستُخصّ ببوقالة ، عند إخراج خاتمها عشوائيا من هذه "البوقاله" الفخارية ، وذلك زيادة في التشويق والإثارة للعبة على ما يبدو .
وعدا أنني لم أسمع بمثل هذا الاستخدام في طرابلس عند لعب البوقالة قديما . فإنه وحتى في الجزائر ، ومع مرور الوقت ، تمّ تجريد اللعبة من جزئية الإناء الفخاري هذه وبعض الشكليات الأخرى ، ولم تتبق سوى الأشعار التي تحفظها النساء والفتيات غيبا ، إعجابا بمعانيها الرقيقة ، وتفاؤلها اللطيف .
ولعله ، وفي ضوء تشابه أشعار البوقالة في كل من ليبيا والجزائر ، وهو في بعض البوقالات يكاد يكون تماثلا إلاّ من بعض المفردات التي يحتّمها اختلاف اللهجة وبعض تفاصيل الحياة ، فإن الحاجة باتت ملحّة لقيام الباحثين في مجال التراث الشعبي في البلدين بتأصيل هذه اللعبة ، وتحقيق أبياتها وتحديد منشئها الأصلي وتاريخ نشأتها .
وعلى الرغم من أن الخصائص الأدبية لأبيات البوقالة تؤشّر وبوضوح صوب الأندلس ، تماما مثلما هو المألوف ، إلا أن إثبات وجودها ضمن المأثور الشعبي في المغرب يظلّ هو السبيل الوحيد لدعم مثل هذه الفرضية .
لنتأمل أولاً مدى التشابه والتماثل بين البوقالة الطرابلسية كما كانت تقال في المدينة القديمة وميزران والظهرة ، والبوقالة في أحياء الجزائر العاصمة كحيّ القصبة وباب الوادي وباب عزون . ففي البوقالة الجزائرية التالية والتي تتحدث عن السعادة والفرح برجوع المحبوب وصلاح الحال ، وحلول الفرصة للتشفّي من الحاسدين والأعداء :
هبطت إلى قاع الجنان وفرّشت زربيّه
وحرقست بحرقوس الذهب حتى إلى وذنيّا
أفرحي يا يمّا سعدي ولّى ليّا
نتشفّى في العدو
كما يتشفّى فيّا
ــ نجد أولا ، ومن حيث المفردات ، تماثلا كبيرا مع ما يقال في اللهجة الطرابلسية : (فرّشت زربيّه) ، (الجنان) ، (حرقصت) ، (حتى إلوذنيّا ـ حتى إلى أذنيّ ـ) ، (سعدي ولّى ـ رجع ـ ليّا) . ويلاحظ هنا أن اسم الأمّ المنادى في الجزائر ينطق بالكسر(يِمّا) في حين أنه في طرابلس بالرفع ( يُومّا ) . أما من حيث المعنى فإن هذه البوقالة قريبة جدا من حيث الموضوع والتعبير والقافية ، من البوقالة الطرابلسية التي تقول :
سيدي سيدي حنّ عليّا
نفرّش فراش الحرير ونمدّ رجليّا
ونشّمت في العادي
قبل لا يشّمّت فيّا
ــ أما البوقالة الطرابلسية التي تتحدث عن شرّ المغتابين من الحساد والخصوم ، والتي تقول :
قطّعت اللحم ودرتله فلفله وبزاره
وسمعت القول وعرفت من قاله
يا قايل الخير تربح
ويا قايل الشرّ تنبح
ــ فإنها تبدو ، وبوضوح ، شقيقة لتلك التي تقال في الجزائر العاصمة في ذات الموضوع :
قطّعت اللحم بيدي وعملت بذور
وسمعت الكلام بوذني وعرفت من قالو
يا قايلين الكلام القبيح وِآش تربحوا ؟
أنا طاووس في القصر
وأنتم خفّاش .. النهار ما يضوالو
ــ أمّا بوقالة اللوم والعتاب وحفظ العهد والتي تقال في الجزائر العاصمة هكذا :
بعثت لك يا شباب دموعي قرنفله حمراء
يا عدو بن عدو بدّلتني بامراء
قال لي والله يا لاَله ما نبدّلك بالغير
محبتك في قلبي
حتى يشيب الطير
ــ فهي وإلى حد كبير مقاربة لتلك التي تقال في طرابلس بصيغة:
دزّيتلك السلام في قرنفله صفره
بحروف الذهب خيار ما تقرأ
وحتى ليا بدّلتني بأخرى
أني والله ما نبدّلك بالغير
محبّتك في القلب
لين يشيب الطير
البوقالة.. تنوّع في الموضوع ، وتعدّد في الوظيفة..
يمكن اعتبار البوقالة علاوة على أنها جلسة نسائية عائلية محتشمة للعب والتسلية والترويح عن النفس ، بمثابة جلسة دعم نفسي للفتيات ، فالجدّات والأمهات وعند تخيّرهن للبوقالات للفتيـات اللائي عليهن الدور يقمن ، ومن طرف خفّي ، باسترجاع البوقالة المناسبة لواقع حال كل فتاة على حدة، ومزاجها خلال ذلك الشهر أو الفترة الأخيرة ، وذلك كأسلوب نفسي يهدف إلى الدعم ورفع المعنويات ، وتقوية الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى قادر على تغيير الأحوال وعلى تحقيق الأماني والأحلام .. والتي غالبا ما تتمثّل بالنسبة لأولئك الفتيات في التوفيق إلى الزوج المرغوب والمناسب لتأسيس أسرة مستقرة وسعيدة .
كما تمثّل جلسة البوقاله وقتا إجتماعيا حميمياً للتواصل والحوار والتشاور ، فاللعبة ، بطبيعتها ، تحتمل المقاطعات إلى أبعد حد ، سواء للتعقيب على حدث ما أو للإخبار بمعلومة ، أو للنصح والإرشاد ، إلى غير ذلك من التفاعل الإنساني الاجتماعي الذي يمكن أن يحدث بين أكثر من جيل .
ولعل الرائع في جلسة البوقالة هو في تفهّم الجيل القديم لاحتياج الفتيات والصبايا لسماع أبيات الحبّ اللطيفة العفيفة ، الصريحة أحيانا والمستترة أحيانا أخرى ، وتفهّم حاجتهن إلى الأمل والحلم والثقة في المستقبل . لتنام الفتاة من بعد لعب البوقالة وهي مطمئنة إلا أن نصيبها وحظها في الحياة من الفرح والسعادة هو بيد الله الذي لا يغفل عن أحد من خلقه ، سبحانه .
أمّا مواضيع البوقاله فهي مواضيع الشعر على إطلاقه ، ففيها من الفخر والمديح والتشبّب والرجاء والدعاء والفأل الطيب الكثير ، كما أن فيها الكثير من اللوعة والتحسّر والحزن على فراق الأحبة والأمل في أن يجمع الله الشمل من جديد ، وتزخر البوقاله بالدعوات الخيّرة للأب والأم والأخ والأخت والأقارب والأصحاب والأحباب ، ولا تخلو ، أيضا ، من هجاء وردود قاسية على أقاويل وكذب الأعداء من الخصوم والحاسدين .
ـ ففي الإعجاب والتشبّب والتمني والدعاء ، وقد لمحته يمرّ من أمام بيتهم فأخُذت بحسنه وحُسن مسلكه ، وطيب روحه ورائحته ! ، فإنها تدعو الله أن يكون من نصيبها زوجاً حلالا :
أخطم قدام حوشنا
إشّي إشّي عليه
أمّه تقول أحفظه
وأخته تقول نجّيه
وإني نقول يا الله
ضُمّ شملي بيه
ــ "إشّي إشّي عليه" : تعبير طرابلسي يعني أنه حسن للغاية ، ومن كل الوجوه ! ، ويروى هذا البيت أحيانا : ( شمّيت المسك عليه ) . ويلاحظ في هذه البوقالة ووفق بنائها ، أنها تناسب أيضا الأم عند افتخارها بابنها ، وكذلك الأخت في الدعاء لشقيقها بالنجاة والسلامة .
ــ وفي طلب القرب أيضا ، ولكن بتصوير فني جميل ، هذه البوقالة الجزائرية ، والتي تؤكد فيها الفتاة لمن تحبّ بأنهما قد خُلقا لبعضهما البعض ، فهما متلازمان كالحذاء والخيط الذي يضمّه ، وكالعقد والتميمة التي تحمي وتصون ، وكالخاتم والحجر الكريم الذي يزيده جمالا وبهاء ! ، لتختم بأنه سيجدها أمامه أينما توجّه وذهب ، وأن لا أحد غيرها سيتزوجها !! :
أنت سبيبط وأنا خويط فيك
إنت سنيسله وأنا خمسه تحميك
إنت خويتم وأنا حجره تبهيك
وين تروح تلقاني
وغير أنا إلّي ندّيك
ــ وفي الحزن والأسى لفراق المحبوب مع الصبر على الكتمان ، تقول البوقالة الطرابلسية :
تفّاح ما ناكله
خوخ ما نشريه
بابور ما نركبه
سافر الغالي فيه
يا من يفتّش قليبي
ويشبح اللّي فيه
ــ وفي التغزّل بحسن جمال المرأة وطلب القرب والزواج منها ، ولاحظ في هذه البوقالة الجزائرية لفظة (لآله) والتي تعني سيدة ، وهي لقب يسبق الاسم من باب التوقير والاحترام ، فيما نقول نحن في طرابلس (لِلاه) بذات المعنى ..
يا لآلتي فاطمة يا لآلتي فطّوم
سبحان خالقك
ريت النجوم في السماء
حسبتهم ساقك
العين تبكي عليك
والقلب مشتاقك
ــ وفي ذات الغرض ، وبأسلوب مشابه ، تقول البوقالة في ليبيا :
لِلّتي فاطمة يا لِلّتي فطّوم
لآك في السمي قنطره
لآك في الوطى سلّوم
نخدم عليك ولو في بلاد الروم
البوقالة.. لعبة الفتيات غير المتزوجات !! ..
ويمكن القول إن جلّ البوقالات إنما تدور ، بشكل أو بآخر ، حول أهمية رابط الزواج ، وأهمية حرية وحسن الاختيار فيه ، وبالتالي فإن على الباحث التراثي أن ينظر إلى نصوص البوقالة في إطار العادات والتقاليد العربية المستندة إلى منظومة الأخلاق الإسلامية التي تحرّم العلاقة بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج الشرعي ، والتي تكرّس مبادئ صون العرض ومنع السفاح ، وتدعو إلى مفاهيم العفة والكرامة والشرف والتراضي والإشهار . فالعلاقة بين الجنسين في الإسلام ليست غريزة حيوانية ونزوة عابرة ، وإنما هي التزام أخلاقي وقانوني وشرعي ، ومودة ومحبة ورحمة وتراض ، وعزم على بناء "أسرة" وإنجاب أطفال يكرّس الزوج والزوجة جلّ حياتهما لحمايتهم ورعايتهم وتأهيلهم . وعلى ذلك فإننا نجد أن غير المتزوجات هن أكثر المتحمسات للعب البوقالة، إذ يأملن خيرا من وراء أشعارها الطيبة العذبة ، وإن لم يمنع هذا لعب المتزوجات اللائي يترقبن بوقالة تبشّر برزق آت ، أو برجوع زوج سالم غانم من بعد سفر وغياب .
ورغم وجود بضع بوقالات هنا وهناك ربما يكون قد لحقها جهل البعض ، كالدعاء لغير الله ، وكلعب بعضهم البوقاله على أنها ضرب من ضروب التنجيم والكهانة ، إلاّ أن غالبية البوقالات ، إنما تعمّق معاني التوحيد التي يقوم عليها ديننا الإسلامي الحنيف في قلوب المستمعات ، وجلّهن إنما يلعبنها تسلية واستبشارا ليس أكثر . وكما تقول البوقالة الجزائرية :
لو كان السعود ينغرسوا
نغرس ميّات عود وعود في وطيّه
لكن السعود فيدك يا معبود
يا سقّام السعود سقّم لي سعدي
الناس إلكل بحبيبهم
وأنا غريب إفهالدنيا وحدي
وأخيرا ، ورغم أن الكتابة شحيحة عن هذا المأثور الشعبي الحضري الرقيق إلاّ أن الإطالة قد تُملّ ، لذا وجب التوقف ، ولربما تسنح فرص قادمة للتصدي لتحليل التركيبة الفنية الإبداعية في البوقالة .
ولكن وقبل التوقّف لابدّ من الإشارة لمقال للأستاذ كامل الشيرازي من الجزائر بعنوان (الجزائر تلعب "البوقالة" ) منشور على الشبكة العالمية للمعلومات ، والذي استقيت منه ، ومن غيره أيضا ، أهمّ البوقالات الشائعة في الجزائر.. ولا بأس من أن ننهي ، للتوثيق ، ببضع بوقالات من طرابلس والجزائر العاصمة ، تلك التمائم العجلى التي ما أن تُعقد حتى تُفكّ !! .
ـــ من طرابلس :
يا قصعة اللوح رنّي
يا مخضّبه بالحناني
مشهور من صغر سنّي
وفي الزين ربّي اعطاني
اسمك علي وأنت علي العالي
يا جوهره في العقد ، يا نقش خلخالي
دير روحك طبيب وتعال شوف حالي
خطم من فمّ حوشنا يبيع في الرنجه
دار روحه تعبّ وقعمز علي الدرجه
الوجه دورة قمر وزايداته الفَلجه
طقّيت علي باب الجنان ،
طقّه علي طقّه
طلعلي سيد العين في فرمله زرقاء
قالّلي يا للّتي خير محترقه
يدور الفلك ونتلايم بعد فرقه
خطم فمّ حوشنا يبيع في الكسبر
قال يا ناس قولوا لبنتكم تصبر
بنت الحسبّ والنسبّ خيار ما تشكر
ـــ من الجزائر العاصمة :
إذا قنديلكم من ريح
أنا سعدي مليح وقنديلي ضاوي
الناس تشدّ في العبد
وأنا نشدّ في ربّي العالي
يا قاعده في الجنينه
والقرقاف حذاك
في النهار نتفكّرك
وفي الليل نترجّاك
قلبي وصل لعندك
وعينيا حشمو من بهاك
إذا أنت ليل
أنا نجمه تضوّيك
وإذا أنت بحر
أنا موجه تقوّيك
وإذا أنت ربيع أنا ورده فيك
حلفت مئة يمين
غيري أنا ما يدّيك
كلامنا علي دارنا
وسلامنا عالغرفه
حيوطها من الذهب
وبنيانها قرفه
وبيتها من العسل
ونشرب ما نكفي
قاست علي قدّها
قاط مجبود
وطلقت علي خذّها
سالف كحل ممدود
كونوا عليّا شهود
يا أهل الفضة والجود
أنا خديم في يد لآلاه نجود
في إحدى البيوت ، أيّ منها ! ، وقبيل أن تخلد الأجساد والنفوس للنوم بقليل .. فيما النعاس يداعب الجفون والأرواح على مقربة من تخوم ممالك الخيال والأحلام .. ينساب صوت الجدّة المباركة وهي تهمس بتؤدة وتأنٍ بكلمات صـادقـة وبسيطـة تهتزّ مـع حروفها ، على حياء ، قلوب فتيات البيت وهن ينصتن بشغفٍ ومحبة ..
ــ بسم الله بديت ، وعالنبي صليت ، يا غايث كل مغيث ، غيثنا واستر عيوبنا ..
في ذات اللحظة ، وعلى بعد آلاف الأميال غربا ، وبالتحديد في حيّ القصبة
العتيق بالجزائر العاصمة ، كانت أعين البنات قد تعلقت بشفتي جدتهن الغالية يتتبعنها في ترقّب وشوق ولهفة وهي تتمتم :
ــ بسم الله بديت ، وعلى النبي صليت ، وعلى الصحابة رضيت ،
وعيّطت يا خالقي ، يا مغيث كل مغيث ، يا ربّ السماء العالي ..
كلمات الجدّتين العربيتين هذه تعني أنهما قد باشرتا لتوّهما لعبة " البوقالة " ، تلك الظاهرة التراثية النسائية ، التي تلج الصبايا من خلالها ، بسهولةٍ ويسر ، إلى عالم فسيح لا يُحدّ من الحلم والأمل والرجاء والفأل الحسن .. تسلية إبداعية شعبية عفيفة ، ولعبة استبشار بريئة ، تُغنِي فيها أمنيات وأحلام وخيال الفتيات أنفسهن عن كل ما نعرفه الآن من وسائل للفنون والتسلية .
تمدّ الجدة بغطاء الرأس "التسّمال" لمن على يمينها من الحفيدات لتعقد بطرفه عقدة بسيطة وهي تستحضر في قلبها من تودّ أن يكون المعنيّ بـ "البوقالة" التي ستقال ، ثم تعيد "التسّمال" للجدة التي تبدأ على الفور في استرجاع وإلقاء بوقالة من بين العشرات التي تحفظها منذ زمن بعيد عن ظهر قلب :
سيدي سيدي وين نلقاك
نلقاك في نهار سعيد
نبي محبّتك تُنقص كل يوم تزيد
نراجي فيك
مراجاة هلال العيد
ــ فيما تتخيّر جدتنا في حيّ القصبة بالجزائر البوقالة التي تقول :
رشّيت عتبة الباب بالزهر والطّيب
وسقيت كل لحباب بالعسل والزبيب
وكي نسيت .. جاني جواب
كنت نستنّاه من عند البعيد
وتفكّ الجدتان ، في المدينة القديمة والقصبة على حد سواء ، عقدة غطاء الرأس ، وترتفع أصوات الفتيات وهن يسألن في فضول ملحّ صاحبة البوقالة عمّن كان المقصود ؟ ، بالطبع كلتاهما لا تصدقهن القول ، فواحدة قالت إنها نوت البوقالة لخالها المسافر ، فيما أشارت الثانية إلى أنها أسمت البوقاله على شقيقتها المتزوجة في مدينة ثانية ، إجابات ذكية تبرّر قطعا ترقّب عودة المسافر كترقّب هلال العيد ، وانتظار جواب مطمئن من ذلك البعيد . وتضحك البنات في سرهن ، فهن يعرفن أن لا الخال ولا الشقيقة معنيين بالبوقالتين إلا عرضا ..
وتستمر "البوقالة" فتتناول "التسّمال" الفتاة التي تلي الأولى ، لتعقد كشقيقتها النية في القلب عن المقصود بالبوقالة التالية ، ولتعقد كذلك عقدة صغيرة في طرف غطاء الرأس ثم ترجعه للجدة لسماع نصيبها من "بوقالات" الليلة . في القصبة بالجزائر العاصمة سمعت الفتيات :
السفينة اللي جات .. باش آنكافيها ؟
باللوز والسكّر نطعم غاشيها
وبالزباد والعطر نطلي سواريها
ونطلب ربّي
للحجّ يدّيها
ــ وفي مدينة طرابلس القديمة سمعن .. :
مركب الغالي جِتّ .. باش نكافيها ؟
بالجوهر المكّي نرشّق حواشيها
وبالعطر الوردي ندهن حواريها
ونطلب من خالقي
نحجّ على إيديها
البوقالة .. ماذا؟ وكيف؟ وأين؟ ومتى؟ ولماذا ؟..
"البوقالة" في اللهجة الليبية هي الآنية الفخارية التي يُشرب منها ، وهي "كالبرّادة" عدا أنها طويلة العنق ضيّقة المشرب ، أمّا في الجزائر فإنها تعني الإناء الفخاري الدائري الصغير ، وقد كان يستخدم قديما في هذه اللعبة ، حيث كانت الصبايا يضعن خواتمهن في هذا الإناء بعد أن يتم ملؤه بقليل من الماء ، ليتم اختيار الفتاة التي ستُخصّ ببوقالة ، عند إخراج خاتمها عشوائيا من هذه "البوقاله" الفخارية ، وذلك زيادة في التشويق والإثارة للعبة على ما يبدو .
وعدا أنني لم أسمع بمثل هذا الاستخدام في طرابلس عند لعب البوقالة قديما . فإنه وحتى في الجزائر ، ومع مرور الوقت ، تمّ تجريد اللعبة من جزئية الإناء الفخاري هذه وبعض الشكليات الأخرى ، ولم تتبق سوى الأشعار التي تحفظها النساء والفتيات غيبا ، إعجابا بمعانيها الرقيقة ، وتفاؤلها اللطيف .
ولعله ، وفي ضوء تشابه أشعار البوقالة في كل من ليبيا والجزائر ، وهو في بعض البوقالات يكاد يكون تماثلا إلاّ من بعض المفردات التي يحتّمها اختلاف اللهجة وبعض تفاصيل الحياة ، فإن الحاجة باتت ملحّة لقيام الباحثين في مجال التراث الشعبي في البلدين بتأصيل هذه اللعبة ، وتحقيق أبياتها وتحديد منشئها الأصلي وتاريخ نشأتها .
وعلى الرغم من أن الخصائص الأدبية لأبيات البوقالة تؤشّر وبوضوح صوب الأندلس ، تماما مثلما هو المألوف ، إلا أن إثبات وجودها ضمن المأثور الشعبي في المغرب يظلّ هو السبيل الوحيد لدعم مثل هذه الفرضية .
لنتأمل أولاً مدى التشابه والتماثل بين البوقالة الطرابلسية كما كانت تقال في المدينة القديمة وميزران والظهرة ، والبوقالة في أحياء الجزائر العاصمة كحيّ القصبة وباب الوادي وباب عزون . ففي البوقالة الجزائرية التالية والتي تتحدث عن السعادة والفرح برجوع المحبوب وصلاح الحال ، وحلول الفرصة للتشفّي من الحاسدين والأعداء :
هبطت إلى قاع الجنان وفرّشت زربيّه
وحرقست بحرقوس الذهب حتى إلى وذنيّا
أفرحي يا يمّا سعدي ولّى ليّا
نتشفّى في العدو
كما يتشفّى فيّا
ــ نجد أولا ، ومن حيث المفردات ، تماثلا كبيرا مع ما يقال في اللهجة الطرابلسية : (فرّشت زربيّه) ، (الجنان) ، (حرقصت) ، (حتى إلوذنيّا ـ حتى إلى أذنيّ ـ) ، (سعدي ولّى ـ رجع ـ ليّا) . ويلاحظ هنا أن اسم الأمّ المنادى في الجزائر ينطق بالكسر(يِمّا) في حين أنه في طرابلس بالرفع ( يُومّا ) . أما من حيث المعنى فإن هذه البوقالة قريبة جدا من حيث الموضوع والتعبير والقافية ، من البوقالة الطرابلسية التي تقول :
سيدي سيدي حنّ عليّا
نفرّش فراش الحرير ونمدّ رجليّا
ونشّمت في العادي
قبل لا يشّمّت فيّا
ــ أما البوقالة الطرابلسية التي تتحدث عن شرّ المغتابين من الحساد والخصوم ، والتي تقول :
قطّعت اللحم ودرتله فلفله وبزاره
وسمعت القول وعرفت من قاله
يا قايل الخير تربح
ويا قايل الشرّ تنبح
ــ فإنها تبدو ، وبوضوح ، شقيقة لتلك التي تقال في الجزائر العاصمة في ذات الموضوع :
قطّعت اللحم بيدي وعملت بذور
وسمعت الكلام بوذني وعرفت من قالو
يا قايلين الكلام القبيح وِآش تربحوا ؟
أنا طاووس في القصر
وأنتم خفّاش .. النهار ما يضوالو
ــ أمّا بوقالة اللوم والعتاب وحفظ العهد والتي تقال في الجزائر العاصمة هكذا :
بعثت لك يا شباب دموعي قرنفله حمراء
يا عدو بن عدو بدّلتني بامراء
قال لي والله يا لاَله ما نبدّلك بالغير
محبتك في قلبي
حتى يشيب الطير
ــ فهي وإلى حد كبير مقاربة لتلك التي تقال في طرابلس بصيغة:
دزّيتلك السلام في قرنفله صفره
بحروف الذهب خيار ما تقرأ
وحتى ليا بدّلتني بأخرى
أني والله ما نبدّلك بالغير
محبّتك في القلب
لين يشيب الطير
البوقالة.. تنوّع في الموضوع ، وتعدّد في الوظيفة..
يمكن اعتبار البوقالة علاوة على أنها جلسة نسائية عائلية محتشمة للعب والتسلية والترويح عن النفس ، بمثابة جلسة دعم نفسي للفتيات ، فالجدّات والأمهات وعند تخيّرهن للبوقالات للفتيـات اللائي عليهن الدور يقمن ، ومن طرف خفّي ، باسترجاع البوقالة المناسبة لواقع حال كل فتاة على حدة، ومزاجها خلال ذلك الشهر أو الفترة الأخيرة ، وذلك كأسلوب نفسي يهدف إلى الدعم ورفع المعنويات ، وتقوية الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى قادر على تغيير الأحوال وعلى تحقيق الأماني والأحلام .. والتي غالبا ما تتمثّل بالنسبة لأولئك الفتيات في التوفيق إلى الزوج المرغوب والمناسب لتأسيس أسرة مستقرة وسعيدة .
كما تمثّل جلسة البوقاله وقتا إجتماعيا حميمياً للتواصل والحوار والتشاور ، فاللعبة ، بطبيعتها ، تحتمل المقاطعات إلى أبعد حد ، سواء للتعقيب على حدث ما أو للإخبار بمعلومة ، أو للنصح والإرشاد ، إلى غير ذلك من التفاعل الإنساني الاجتماعي الذي يمكن أن يحدث بين أكثر من جيل .
ولعل الرائع في جلسة البوقالة هو في تفهّم الجيل القديم لاحتياج الفتيات والصبايا لسماع أبيات الحبّ اللطيفة العفيفة ، الصريحة أحيانا والمستترة أحيانا أخرى ، وتفهّم حاجتهن إلى الأمل والحلم والثقة في المستقبل . لتنام الفتاة من بعد لعب البوقالة وهي مطمئنة إلا أن نصيبها وحظها في الحياة من الفرح والسعادة هو بيد الله الذي لا يغفل عن أحد من خلقه ، سبحانه .
أمّا مواضيع البوقاله فهي مواضيع الشعر على إطلاقه ، ففيها من الفخر والمديح والتشبّب والرجاء والدعاء والفأل الطيب الكثير ، كما أن فيها الكثير من اللوعة والتحسّر والحزن على فراق الأحبة والأمل في أن يجمع الله الشمل من جديد ، وتزخر البوقاله بالدعوات الخيّرة للأب والأم والأخ والأخت والأقارب والأصحاب والأحباب ، ولا تخلو ، أيضا ، من هجاء وردود قاسية على أقاويل وكذب الأعداء من الخصوم والحاسدين .
ـ ففي الإعجاب والتشبّب والتمني والدعاء ، وقد لمحته يمرّ من أمام بيتهم فأخُذت بحسنه وحُسن مسلكه ، وطيب روحه ورائحته ! ، فإنها تدعو الله أن يكون من نصيبها زوجاً حلالا :
أخطم قدام حوشنا
إشّي إشّي عليه
أمّه تقول أحفظه
وأخته تقول نجّيه
وإني نقول يا الله
ضُمّ شملي بيه
ــ "إشّي إشّي عليه" : تعبير طرابلسي يعني أنه حسن للغاية ، ومن كل الوجوه ! ، ويروى هذا البيت أحيانا : ( شمّيت المسك عليه ) . ويلاحظ في هذه البوقالة ووفق بنائها ، أنها تناسب أيضا الأم عند افتخارها بابنها ، وكذلك الأخت في الدعاء لشقيقها بالنجاة والسلامة .
ــ وفي طلب القرب أيضا ، ولكن بتصوير فني جميل ، هذه البوقالة الجزائرية ، والتي تؤكد فيها الفتاة لمن تحبّ بأنهما قد خُلقا لبعضهما البعض ، فهما متلازمان كالحذاء والخيط الذي يضمّه ، وكالعقد والتميمة التي تحمي وتصون ، وكالخاتم والحجر الكريم الذي يزيده جمالا وبهاء ! ، لتختم بأنه سيجدها أمامه أينما توجّه وذهب ، وأن لا أحد غيرها سيتزوجها !! :
أنت سبيبط وأنا خويط فيك
إنت سنيسله وأنا خمسه تحميك
إنت خويتم وأنا حجره تبهيك
وين تروح تلقاني
وغير أنا إلّي ندّيك
ــ وفي الحزن والأسى لفراق المحبوب مع الصبر على الكتمان ، تقول البوقالة الطرابلسية :
تفّاح ما ناكله
خوخ ما نشريه
بابور ما نركبه
سافر الغالي فيه
يا من يفتّش قليبي
ويشبح اللّي فيه
ــ وفي التغزّل بحسن جمال المرأة وطلب القرب والزواج منها ، ولاحظ في هذه البوقالة الجزائرية لفظة (لآله) والتي تعني سيدة ، وهي لقب يسبق الاسم من باب التوقير والاحترام ، فيما نقول نحن في طرابلس (لِلاه) بذات المعنى ..
يا لآلتي فاطمة يا لآلتي فطّوم
سبحان خالقك
ريت النجوم في السماء
حسبتهم ساقك
العين تبكي عليك
والقلب مشتاقك
ــ وفي ذات الغرض ، وبأسلوب مشابه ، تقول البوقالة في ليبيا :
لِلّتي فاطمة يا لِلّتي فطّوم
لآك في السمي قنطره
لآك في الوطى سلّوم
نخدم عليك ولو في بلاد الروم
البوقالة.. لعبة الفتيات غير المتزوجات !! ..
ويمكن القول إن جلّ البوقالات إنما تدور ، بشكل أو بآخر ، حول أهمية رابط الزواج ، وأهمية حرية وحسن الاختيار فيه ، وبالتالي فإن على الباحث التراثي أن ينظر إلى نصوص البوقالة في إطار العادات والتقاليد العربية المستندة إلى منظومة الأخلاق الإسلامية التي تحرّم العلاقة بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج الشرعي ، والتي تكرّس مبادئ صون العرض ومنع السفاح ، وتدعو إلى مفاهيم العفة والكرامة والشرف والتراضي والإشهار . فالعلاقة بين الجنسين في الإسلام ليست غريزة حيوانية ونزوة عابرة ، وإنما هي التزام أخلاقي وقانوني وشرعي ، ومودة ومحبة ورحمة وتراض ، وعزم على بناء "أسرة" وإنجاب أطفال يكرّس الزوج والزوجة جلّ حياتهما لحمايتهم ورعايتهم وتأهيلهم . وعلى ذلك فإننا نجد أن غير المتزوجات هن أكثر المتحمسات للعب البوقالة، إذ يأملن خيرا من وراء أشعارها الطيبة العذبة ، وإن لم يمنع هذا لعب المتزوجات اللائي يترقبن بوقالة تبشّر برزق آت ، أو برجوع زوج سالم غانم من بعد سفر وغياب .
ورغم وجود بضع بوقالات هنا وهناك ربما يكون قد لحقها جهل البعض ، كالدعاء لغير الله ، وكلعب بعضهم البوقاله على أنها ضرب من ضروب التنجيم والكهانة ، إلاّ أن غالبية البوقالات ، إنما تعمّق معاني التوحيد التي يقوم عليها ديننا الإسلامي الحنيف في قلوب المستمعات ، وجلّهن إنما يلعبنها تسلية واستبشارا ليس أكثر . وكما تقول البوقالة الجزائرية :
لو كان السعود ينغرسوا
نغرس ميّات عود وعود في وطيّه
لكن السعود فيدك يا معبود
يا سقّام السعود سقّم لي سعدي
الناس إلكل بحبيبهم
وأنا غريب إفهالدنيا وحدي
وأخيرا ، ورغم أن الكتابة شحيحة عن هذا المأثور الشعبي الحضري الرقيق إلاّ أن الإطالة قد تُملّ ، لذا وجب التوقف ، ولربما تسنح فرص قادمة للتصدي لتحليل التركيبة الفنية الإبداعية في البوقالة .
ولكن وقبل التوقّف لابدّ من الإشارة لمقال للأستاذ كامل الشيرازي من الجزائر بعنوان (الجزائر تلعب "البوقالة" ) منشور على الشبكة العالمية للمعلومات ، والذي استقيت منه ، ومن غيره أيضا ، أهمّ البوقالات الشائعة في الجزائر.. ولا بأس من أن ننهي ، للتوثيق ، ببضع بوقالات من طرابلس والجزائر العاصمة ، تلك التمائم العجلى التي ما أن تُعقد حتى تُفكّ !! .
ـــ من طرابلس :
يا قصعة اللوح رنّي
يا مخضّبه بالحناني
مشهور من صغر سنّي
وفي الزين ربّي اعطاني
اسمك علي وأنت علي العالي
يا جوهره في العقد ، يا نقش خلخالي
دير روحك طبيب وتعال شوف حالي
خطم من فمّ حوشنا يبيع في الرنجه
دار روحه تعبّ وقعمز علي الدرجه
الوجه دورة قمر وزايداته الفَلجه
طقّيت علي باب الجنان ،
طقّه علي طقّه
طلعلي سيد العين في فرمله زرقاء
قالّلي يا للّتي خير محترقه
يدور الفلك ونتلايم بعد فرقه
خطم فمّ حوشنا يبيع في الكسبر
قال يا ناس قولوا لبنتكم تصبر
بنت الحسبّ والنسبّ خيار ما تشكر
ـــ من الجزائر العاصمة :
إذا قنديلكم من ريح
أنا سعدي مليح وقنديلي ضاوي
الناس تشدّ في العبد
وأنا نشدّ في ربّي العالي
يا قاعده في الجنينه
والقرقاف حذاك
في النهار نتفكّرك
وفي الليل نترجّاك
قلبي وصل لعندك
وعينيا حشمو من بهاك
إذا أنت ليل
أنا نجمه تضوّيك
وإذا أنت بحر
أنا موجه تقوّيك
وإذا أنت ربيع أنا ورده فيك
حلفت مئة يمين
غيري أنا ما يدّيك
كلامنا علي دارنا
وسلامنا عالغرفه
حيوطها من الذهب
وبنيانها قرفه
وبيتها من العسل
ونشرب ما نكفي
قاست علي قدّها
قاط مجبود
وطلقت علي خذّها
سالف كحل ممدود
كونوا عليّا شهود
يا أهل الفضة والجود
أنا خديم في يد لآلاه نجود